عيال الحمايل

الخميس 25 ربيع الثاني 1429هـ 1-5-2008م

الصحيفة : اليوم

قريتي قبل أربعين عاماً كانت تعيش أبهى صورها في التكافل والتكامل الاجتماعي والإنساني كانت تعتمد على رجالها ونسائها في متطلبات حياتهم ومعيشتهم، ولم نكن نجلب أي بضاعة من خارج مدينتنا لم نكن نستورد إلا القهوة والشاي والسكر والهيل لأنها لا تزرع في قريتي أما خلاف ذلك فنحن مصنع للرجال والنساء فكانت النساء يقمن بأعمال الخياطة وأعمال الطبخ والسقيا وتعليم البنات و الأعمال الزراعية وحتى مهنة الطب الشعبي. وأذكر أن أحد الأطباء الأجانب الذين تقوم الحكومة بتسييرهم على القرى أصيب بذات الجنب فلم يقدر هو ولا غيره على معالجة المرض فقامت إحدى عجائزنا رحمها الله (بكيه) ولم يلبث إلا ساعات حتى فتحت عيونه وشفاه الله. أما الرجال فهؤلاء فعلاً هم من صنع لنا هذا التاريخ المجيد في الاعتماد على الذات وفي تطبيق المثل القائل (مهنة في اليد أمان من الفقر) فكان هناك (دكاكين)أو لنقل ورش مصغرة لجميع الأعمال، وعندما نقول دكاكين فإنه يصنع بضاعته ويبيعها فوراً، فكان الخراز وهو من يصنع الأحذية سواء النعال النجدية أو الزرابيل (الكنادر) فتجد جميع أدوات العمل أمامه علماً أن ورشته (دكانه) لا يخلو من الزائرين ومع ذلك تجده يحافظ على وقته فهو يتحدث وبيده (مخرازه) أو حصانه. وكانت مواعيد التسليم قد تتجاوز عشرين يوماً أو الشهر لأن الطلبات كثيرة وشهرته قد تعدت القرية ووصلت إلى (العارض) الرياض. وقس على ذلك صانع الثياب (الحايك) فهو ومجموعته يبدأون العمل بعد صلاة الفجر مباشرة ولهم مكان (ورشة) مخصص وكل شخص له وظيفة محددة. أما الأبواب والنوافذ فلها أناس متخصصون ورثوا المهنة أباً عن جد واشتهروا بها وكانت إجادتهم للنجارة وأعمال الرسم والصبغ (البويه) مثالاً يحتذى ولا تزال أعمالهم المشرفة حتى تاريخنا الحاضر لتشهد لهم بالجدارة وحسن العمل. أما الجزار (القصاب) فهو ومجموعته لهم المكانة الراقية عند الأهالي فهو صاحب الفضل في عدم التشدد بتسديد القيمة وله الفضل أنه يقوم بإيصال اللحم إلى المنازل وله الفضل بأنه يساعد الفقراء والمحتاجين أما مخلفات ذبيحته فكلها يستفاد منها في صنع (القرب والصميل) والأحذية وجاعد الأطفال، وشعرها في صنع الخيام والعباءات والثياب. أما أعمال الزراعة (الحرفية) فكانت مهنة ذوي المال ومن يملك (جصة) مستودع تمر ولديه بقرة أو اثنتان وقطيع من الغنم فقد كملت لديه أسباب المعيشة فهو يزرع أنواع الحبوب من الحنطة والذرة والبر وجميع أنواع الخضار إلى جانب المنتج الرئيسي وهو التمر. أما أعمال البناء فكان أباؤنا وإخواننا يصنعون الطوب (اللبن) وينحتون الحجر (الحصا) للأساسات والأعمدة. وكانوا مجموعة متكاملة من المهندس (الاستاد) وهو من يخطط ويصمم ويشرف على التنفيذ إلى جانب مجموعات كل حسب تخصصه منهم من يلبن ومنهم من يبني ومنهم من يملط (يليس) ومنهم من يجصص (الإسمنت الأبيض) وكان هذا الإسمنت من منتوجات جبال قريتنا. أترك لك الحكم في المقارنة بين ماضينا العريق وحاضرنا مع أولاد الحمايل.

guest

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
binance Norādījuma kods
binance Norādījuma kods
18 أيام

I don’t think the title of your article matches the content lol. Just kidding, mainly because I had some doubts after reading the article.

бнанс рестраця для США
бнанс рестраця для США
19 أيام

Your point of view caught my eye and was very interesting. Thanks. I have a question for you.